تنوّع الشركاء الأمنيين- نيجيريا بين التنافس الغربي الصيني وتحديث الجيش

في منتصف شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2024، كشفت تقارير صحفية عن عزم القوات الجوية النيجيرية على إبرام صفقات لشراء طائرات هجومية إيطالية وطائرات هليكوبتر متطورة، وذلك في إطار مساعيها لتطوير وتحديث أسطولها العسكري ومعداتها القتالية.
وإن كانت هذه الخطوات النيجيرية تأتي ضمن جهودها لتنويع مصادر تسليحها وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية، إلّا أنها تعكس أيضًا طبيعة العلاقات النيجيرية الغربية في السنوات الأخيرة، وتلقي بظلالها على التنافسات الجيوسياسية المحتدمة بين الصين والغرب.
الأزمات الأمنية المتفاقمة في نيجيريا وتحديات جمة في مواجهتها
تواجه نيجيريا، منذ ما يقرب من عقد من الزمن، تحديات أمنية جسيمة وغير مسبوقة، تشمل أعمالًا إرهابية وعصيانًا مسلّحًا وعمليات سطو مسلحة وخطفًا مقابل فدية، بالإضافة إلى الصراع المتصاعد بين المزارعين والرعاة، الذي زادت حدّته بشكل ملحوظ منذ عام 2011، وغيرها من التحديات الأمنية المعقدة.
وتُعتبر أزمة الإرهاب من أبرز هذه التحديات، حيث انطلقت شرارتها الأولى من شمال شرق البلاد، مع تركّزها على جماعة "بوكو حرام" (التي تأسست في عام 2002 ونفّذت أول هجوم لها في ديسمبر/كانون الأول 2003)، ولكنها تشعّبت اليوم لتشمل فصائل متعدّدة، مثل "تنظيم الدولة – ولاية غرب أفريقيا" و"جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان" المعروفة بـ "أنصارو").
بل إن الأزمة الإرهابية قد تحوّلت إلى أشكال أخرى أكثر تعقيدًا، مثل عمليات السطو المسلّح التي يمارسها مقاتلو "بوكو حرام" و"أنصارو" الهاربون من شمال الشرق في شمال غرب البلاد، بالإضافة إلى التمرّدات الانفصالية المستمرة في جنوب شرق نيجيريا، والأنشطة المسلحة في منطقة دلتا النيجر المطلّة مباشرة على خليج غينيا في المحيط الأطلسي. هذه الأزمة التي بدأت في منتصف تسعينيات القرن الماضي، تؤثر سلبًا في أمن خليج غينيا الذي يشهد أيضًا أعمال قرصنة بحرية متزايدة.
وإلى جانب العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الداخلية في نيجيريا، يساهم في استمرار الإرهاب وأنشطة الجماعات المسلحة ضعف القدرات العسكرية للقوات النيجيرية، الناتج عن المعدات العسكرية المتقادمة والنقص الحاد في القوى العاملة المدربة.
علاوة على ذلك، تُعتبر المؤسسة العسكرية النيجيرية من أكثر المؤسسات عرضةً للفساد المالي والإداري، بينما يعاني الجنود من نقص الرعاية الاجتماعية، ممّا يؤثر سلبًا على كفاءتهم القتالية والتشغيلية، على الرغم من الزيادة الكبيرة في ميزانية الدفاع النيجيرية خلال السنوات العشر الماضية، والتي تفوق الميزانيات العسكرية لدول غرب أفريقيا الأخرى مجتمعة.
وقد كشفت العديد من التحقيقات الإعلامية والملفات القضائية المحلية في نيجيريا عن تورط بعض القادة العسكريين والسياسيين وكبار الموظفين العموميين في تحويل الأموال العامة المخصصة لمكافحة الإرهاب وانعدام الأمن إلى حساباتهم الخاصة، وعن شرائهم معدات عسكرية قديمة ومتهالكة بدلًا من اقتناء أسلحة حديثة ومتطورة.
وقد أطلقت الحكومة النيجيرية في عهد الرئيس السابق "محمد بخاري" (الذي حكم البلاد من عام 2015 حتى عام 2023) العديد من المبادرات الطموحة لإصلاح المؤسسة العسكرية ومعالجة أوجه القصور داخل الأجهزة الأمنية المختلفة. ولكنّ بعض تلك المبادرات اصطدمت بعقبة كبيرة تمثلت في رفض الدول الغربية بيع الأسلحة والمعدات العسكرية للحكومة النيجيرية، وهو الرفض الذي بدأ في عهد الرئيس النيجيري السابق "غودلاك جوناثان" (الذي حكم نيجيريا من عام 2010 حتى عام 2015).
ومن أبرز التحركات التي قامت بها واشنطن لعرقلة جهود تحديث المعدات والعناصر العسكرية في نيجيريا، ما حدث في يوليو/تموز من عام 2021، عندما قام المشرعون الأميركيون بتعليق اقتراح لبيع أسلحة بقيمة تقارب مليار دولار إلى نيجيريا، حيث تضمّن البيع المقترح آنذاك 12 طائرة هليكوبتر هجومية من طراز AH-1 Cobra والمعدات المرتبطة بها.
وهناك مثال آخر يظهر جليًا في شهر فبراير/شباط من عام 2023، عندما طالبت السياسية الديمقراطية سارة جاكوبس من كاليفورنيا، والجمهوري كريس سميث من نيوجيرسي – وهما عضوان بارزان في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي وعضوان في اللجنة الفرعية المعنية بأفريقيا – الرئيس جو بايدن بإلغاء صفقة بيع أسلحة بقيمة تقارب مليار دولار إلى نيجيريا؛ بدعوى أن الجيش النيجيري نفّذ برنامجًا للإجهاض غير القانوني، وارتكب جرائم قتل استهدفت الأطفال.
ودعا العضوان الحكومة الأميركية إلى مراجعة شاملة لبرامج المساعدة الأمنية والتعاون مع نيجيريا، وتقييم المخاطر المحتملة المتعلقة بالضحايا المدنيين، والانتهاكات التي قد تنجم عن المساعدة الأميركية في مجال الأسلحة.
وقد أثّرت هذه الصعوبات المتزايدة في محاولات شراء الأسلحة بشكل كبير على قدرات القوات النيجيرية على احتواء جماعة "بوكو حرام" التي تواصل انتشارها في مناطق أخرى بشمال نيجيريا، في حين تتفاقم أزمة قطاع الطرق المسلحين في شمال غرب البلاد، ممّا أثار استياء الحكومات النيجيرية المتعاقبة منذ عام 2014، وعزّز سلسلة من الانتقادات اللاذعة من قبل مسؤولين ودبلوماسيين نيجيريين ضد الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية.
وعلى سبيل المثال، أعرب رئيس هيئة الأركان النيجيرية في شهر فبراير/شباط من عام 2024 عن إحباطه الشديد إزاء المعايير المزدوجة التي تتبناها بعض الدول (التي لم يسمّها)، والتي ترفض بيع أسلحتها العسكرية؛ بدعوى وجود مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، على الرغم من أن هذه الدول نفسها قد ارتكبت أفعالًا أسوأ بكثير دون أن يحاسبها أحد.
وفي عام 2015، أعلن الرئيس "بخاري" عن عزم نيجيريا إنشاء مصنع محلي للأسلحة، وذلك بهدف تقليل اعتماد البلاد على الأسلحة المستوردة، وأمر وزارة الدفاع النيجيرية بوضع خطة مفصّلة لبناء "مجمع صناعي عسكري". بل ذهب "بخاري" إلى أبعد من ذلك، واتهم حكومة الولايات المتحدة في شهر يوليو/تموز من عام 2015 أثناء زيارته لواشنطن بما وصفه بتقديم واشنطن مساعدة غير مباشرة لجماعة "بوكو حرام" نتيجة رفضها المتكرر بيع الأسلحة لنيجيريا.
نيجيريا تنتهج سياسة تنويع شركائها الأمنيين
تُعتبر نيجيريا حليفًا تقليديًا للدول الغربية، ولكن الأزمات العالمية المتلاحقة في السنوات الأخيرة والمواقف الغربية بشأن بعض الملفات الداخلية في نيجيريا، تدفع بأبوجا إلى إعادة النظر في علاقاتها مع الغرب. وتُذكّر قرارات واشنطن بعدم بيع الأسلحة لنيجيريا بمواقف معظم الدول الغربية إبان الحرب الأهلية النيجيرية من عام 1967 إلى عام 1970، عندما رفض الغرب تزويد نيجيريا بالأسلحة اللازمة للحفاظ على وحدة أراضيها.
وقد أجبرت الحاجة الماسة إلى معدات عسكرية ثقيلة ومتطورة، مثل الطائرات بدون طيار، والمروحيات القتالية، والمركبات المدرعة المقاومة للألغام، الحكومة النيجيرية على البحث عن شركاء آخرين لتلبية احتياجاتها الأمنية.
ووفقًا لتقرير صادر عام 2021 عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، حصلت نيجيريا على أسلحة من 13 مورّدًا مختلفًا بين عامي 2017 و2021، بما في ذلك 7 طائرات هليكوبتر قتالية من روسيا، و272 مركبة مدرعة من الصين، و12 طائرة مقاتلة خفيفة من البرازيل (عبر الولايات المتحدة)، و3 طائرات مقاتلة من باكستان.
وقد تجلّت أهمية إمدادات الأسلحة الروسية التي حصلت عليها نيجيريا في النجاح النسبي الذي حققته القوات المسلحة النيجيرية ضد الحركات الإرهابية بين عامي 2016 و2020.
ويؤكد على هذه الأهمية ما كشفته قاعدة بيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية، والتي أظهرت أن واردات نيجيريا من الأسلحة والذخيرة والأجزاء والملحقات من روسيا خلال عام 2020 بلغتْ 736.16 ألف دولار أميركي.
هذا، بالإضافة إلى الصفقة التي أبرمتها أبوجا مع موسكو في عام 2021 لتوريد المعدات العسكرية وتدريب الأفراد ونقل التكنولوجيا. وقد مكّنت هذه الصفقة وغيرها القوات المسلحة النيجيرية من استخدام طائرات الهليكوبتر القتالية والنقلية روسية الصنع مثل Mi-35M وMi-171E في عملياتها العسكرية ضد جماعة "بوكو حرام" وفصائلها المتطرفة.
إلّا أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا قبل الأزمة الأوكرانية وأثناءها، أثّرت سلبًا على صفقات الأسلحة بين نيجيريا وروسيا، حيث ألمح السفير النيجيري في روسيا في أكتوبر/تشرين الأول 2019 إلى وجود صعوبات جمّة في سلسلة توريد الأسلحة من روسيا.
وكانت النتيجة أن لجأت نيجيريا إلى الصين، حيث شملت المجموعة الواسعة من المعدات العسكرية التي اشترتها نيجيريا ووصلت في أبريل/نيسان 2020 مركبة دعم النيران عيار 105 ملم، ودبابة القتال الرئيسية VT-4، ونظام المدفعية ذاتية الدفع SH-5 عيار 105 ملم، وأنظمة المدفعية ذاتية الدفع SH-2 عيار 122 ملم. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2023 أعلن سفير الصين في نيجيريا عن استعداد بلاده التام لدعم جهود الإنتاج المحلي النيجيري للمعدات العسكرية، وذلك لتحقيق مساعي أبوجا لتقليل الاعتماد على المعدات العسكرية الأجنبية.
ويُضاف إلى ما سبق أن نيجيريا وإيطاليا تربطهما علاقات عسكرية وثيقة. وفي يوليو/تموز من عام 2021 أعلن الجيشان النيجيري والإيطالي عن تعاونهما الوثيق لمكافحة انعدام الأمن وتعزيز بناء قدرات القوى العاملة من خلال التدريب المشترك والدعم الفني المتبادل.
وكان من بين الطائرات المقاتلة والمروحيات التي سافر رئيس الأركان الجوية النيجيري وفريقه من خبراء القوات الجوية النيجيرية إلى إيطاليا للحصول عليها في أكتوبر/تشرين الأول 2024، 24 طائرة هجومية مقاتلة من طراز M-346، و10 طائرات هليكوبتر من طراز AW-109 Trekker. ومن المتوقع أن تصل أول ثلاث طائرات M-346 بحلول أوائل عام 2025، مع استمرار عمليات التسليم الأخرى حتى منتصف عام 2026.
وتتخذ نيجيريا أيضًا خطوات جادة لشراء معدات عسكرية من تركيا. ويدعم هذا التوجه حقيقة أنه في فبراير/شباط 2024، وخلال حفل أقيم في قاعدة القوات الجوية النيجيرية في ماكوردي، عاصمة ولاية بينوي في شمال وسط نيجيريا، قامت القوات الجوية النيجيرية بإدخال أول طائرتين هليكوبتر هجوميتين من طراز T129 ATAK في الخدمة بشكل رسمي.
ويبدو أيضًا أن واشنطن تُراجع موقفها المتشدد وبدأت توافق على بيع بعض الأسلحة الأميركية للحكومة النيجيرية. وعلى سبيل المثال، وافقت واشنطن في أبريل/نيسان 2022 على بيع 12 مروحية هجومية من طراز AH-1Z إلى نيجيريا، وفي أغسطس/آب 2023، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن أبوجا تسلّمت الدفعة الأولى من تلك المروحيات بقيمة إجمالية بلغت 997 مليون دولار، بالإضافة إلى برنامج تدريبي للقوات المسلحة النيجيرية؛ لتطوير عمليات الاستهداف التي تتوافق مع القانون الإنساني الدولي.
بالإضافة إلى ما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية في 19 ديسمبر/كانون الأول 2023 عن عقد لإنتاج وتوفير 32 جهاز كمبيوتر إضافيًا لترقية تقنية H-1 لمساعدة طائرات AH-1Z التابعة للحكومة النيجيرية.
ومع ذلك، فإن الصعوبات التي تواجهها نيجيريا فيما يتعلق بقانون ليهي وفحصه (Leahy vetting) تجعل حكومة البلاد تحافظ على تنوع خياراتها وإبقائها مفتوحة، مع التركيز بشكل خاص على الصين وإيطاليا ودول أخرى كبدائل لتحقيق أجندتها الطموحة لتحديث معداتها وأساطيلها العسكرية.
في إطار التنافس الصيني-الغربي المتصاعد
إن تتبع نمط تفكير صناع القرار النيجيري يكشف بوضوح أنهم يدركون تمامًا مكانة نيجيريا كواحدة من القوى الناشئة الرئيسية في قارة أفريقيا. وهذا الإدراك العميق يجعلهم يتمسكون باستقلالية البلاد في اتخاذ القرارات الإستراتيجية، بما في ذلك رفض مقترحات استضافة نيجيريا لقواعد عسكرية أجنبية، والتي أثارتها واشنطن في مناسبات عديدة.
وفي حين أن نيجيريا تواصل تبني مواقف محايدة بشأن الأزمات العالمية المختلفة من أجل خدمة مصالحها الوطنية والحفاظ على علاقاتها الدولية المتوازنة؛ فقد أظهرت سلسلة من الأحداث المؤسفة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك رفض بيع الأسلحة لها، أن البلاد تميل بشكل أكبر إلى دعم قضايا الجنوب العالمي في العديد من الملفات، بما في ذلك الحرب الإسرائيلية على غزة التي أدانتها أبوجا بشدة، وكررت دعمها الثابت لحل الدولتين، مؤكدةً على حق الشعب الفلسطيني في الوجود كدولة مستقلة ذات سيادة.
وإذا كانت علاقات نيجيريا التاريخية مع القوى الغربية قد تكون السبب الرئيسي وراء عدم انضمام أبوجا إلى عضوية مجموعة البريكس، إلا أن سلوك الغرب تجاه نيجيريا مؤخرًا بدأ يغيّر من تصوّرات أبوجا تجاه الغرب.
ويمكن ملاحظة هذا التحول في صفقات الأسلحة النيجيرية المتنوعة مع مختلف الدول، وفي حقيقة أن نيجيريا قد انضمّت رسميًا إلى مجموعة البريكس كدولة شريكة. بينما يدعو العديد من النيجيريين حكومتهم إلى الانضمام إلى البريكس كعضو كامل العضوية، وهو ما من شأنه أن يعزز من ميل أبوجا نحو الصين وروسيا والهند والبرازيل.
ويمكن القول بكل ثقة إن الصين هي أكبر المستفيدين من الصعوبات التي تواجهها أبوجا في تأمين الأسلحة الثقيلة من الولايات المتحدة؛ لأن الصين قد استثمرت بكثافة في قطاع النفط والغاز النيجيري الحيوي، وبلغ حجم التبادل التجاري الثنائي بين البلدين 19.27 مليار دولار في عام 2019.
بل إن توجّه نيجيريا (التي تُعتبر أكبر اقتصاد في أفريقيا من حيث عدد السكان) نحو الصين كواحدة من مورديها الرئيسيين للأسلحة، سيساعد بكين بشكل كبير في تنافساتها الجيوسياسية في منطقة غرب أفريقيا، وسيقوّي نفوذها المتزايد في ممر خليج غينيا الإستراتيجي الذي يستضيف شحنات حيوية واحتياطيات نفطية دولية هائلة، خاصة وأن الصين تبحث باستمرار عن طرق لتوسيع نفوذها العسكري والاقتصادي داخل نيجيريا، بينما تسعى الشركات الصينية المتمركزة في نيجيريا منذ سنوات إلى فتح قنوات متعددة لاستغلال موارد نيجيريا الطبيعية والبشرية الوفيرة.
وأخيرًا، فإن مساعدة الصين لأبوجا على إنشاء وتطوير صناعتها العسكرية المحلية، سيثبّت مكانة بكين المميزة لدى النخبة السياسية وعامة المواطنين على حد سواء في نيجيريا، وهو ما سيمنح الصين ميزة تنافسية في حملاتها الدولية وتوجهاتها في المحافل العالمية.